يسعى المستثمرون والمؤسسات المالية إلى استراتيجيات مبتكرة لتعزيز أصولهم وحمايتها من التقلبات. في هذا السياق، اكتسبت العملات المشفرة، وخاصة البيتكوين، اهتماماً متزايداً باعتبارها أدوات مالية جديدة قد تلعب دوراً كبيراً في إعادة تشكيل النظام المالي العالمي. سنستعرض في هذا المقال بشكل معمق دور هذه الأصول الرقمية في ثلاثة مجالات رئيسية: كمستودع للقيمة، وكأداة للتحوط ضد التضخم، وكعنصر في تنويع المحافظ الاستثمارية.

العملات المشفرة لحفظ للقيمة

يشير مصطلح "حفظ القيمة" إلى أي أصل يمكنه الاحتفاظ بقيمته على مر الزمن. مصطلح "حفظ القيمة" يعني أن الأصل المعني قادر على الحفاظ على قيمته على مدى فترة زمنية طويلة، دون أن يفقد قيمته بشكل كبير. بمعنى آخر، هو أصل يمكن الاعتماد عليه لتخزين الثروة بشكل آمن عبر الزمن، حتى في ظل تقلبات الأسواق أو الأزمات الاقتصادية.

  • تاريخيًا كانت المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة تعتبر وسائل لحفظ القيمة بسبب ندرتها وقدرتها على الاحتفاظ بالقيمة على مر الزمن.

  • 1971 انهار نظام "بريتون وودز" والتخلي عن قاعدة الذهب تمامًا، تحول التركيز إلى العملات الورقية مثل الدولار الأمريكي كوسيلة لحفظ القيمة، بفضل قدرتها على الحفاظ على قيمتها حتى في أوقات الأزمات الاقتصادية. انهار نظام "بريتون وودز" الذي كان يربط الدولار بالذهب. هذا القرار أدى إلى تحرير البنوك المركزية من القيود التي كانت تفرضها قاعدة الذهب، مما سمح لها بطباعة المزيد من الأموال دون الحاجة إلى الاحتفاظ باحتياطي ذهبي يعادل قيمتها. بدأت أسعار السلع والأصول، مثل العقارات، بالارتفاع بشكل غير مسبوق. هذا التضخم أدى إلى تآكل القوة الشرائية للعملات، وأصبح من الصعب على الناس الحفاظ على قيمة مدخراتهم.

  • 2020 وما بعده تظهر البيانات الحديثة أن البيتكوين بدأ يبرز كبديل محتمل و افضل لهذه الأصول التقليدية، حيث يُظهر خصائص مشابهة في الحفاظ على القيمة.

خلال جائحة كوفيد-19، التي تسببت في انهيارات حادة في الأسواق المالية، أظهرت البيتكوين أداءً مميزاً حيث لم تحافظ فقط على قيمتها بل حققت أيضًا نموًا ملحوظًا. في مارس 2023، تسبب انهيار بنك "سيليكون فالي" وبنك "سيجنتشر" اضطرابات واسعة في الاسواق المالية التقليدية حيث تراجع مؤشر S&P 500 بنسبة 2.5%، في حين ارتفعت قيمة البيتكوين بنسبة 30% خلال أسبوع واحد فقط، من 20,000 دولار إلى 26,000 دولار، . هذه الأرقام تعكس بوضوح أن البيتكوين بدأت تأخذ مكانها كملجئ او اداة للمستثمرين لتحوط وحفظ قيمة استثماراتهم، خصوصاً في أوقات الأزمات الاقتصادية الحادة.

ما يُعزز هذه الفرضية هو تبني المؤسسات الكبرى للعملات المشفرة. على سبيل المثال، في عام 2021، استثمرت شركة تسلا مبلغ 1.5 مليار دولار في البيتكوين، في حين قامت شركة مايكروستراتيجي بتجميع أكثر من 100,000 بيتكوين كجزء من استراتيجيتها لإدارة احتياطيات الخزينة. هذه الاستثمارات الكبيرة تشير إلى تحول في نظرة المؤسسات المالية الكبرى تجاه البيتكوين من مجرد أصل مضارب إلى أصل استراتيجي يمكن الاعتماد عليه للحفاظ على القيمة.

إمكانات التحوط ضد التضخم:

التضخم هو ظاهرة اقتصادية تتمثل في الارتفاع العام في مستويات الأسعار، مما يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للعملات التقليدية. في مواجهة هذا التهديد المستمر، يبحث المستثمرون عن أدوات مالية يمكن أن تعمل كتحوط فعال ضد التضخم.

في عام 2010، كان سعر البيتكوين الواحد حوالي 0.06 دولار، وكنت تحتاج إلى حوالي 10,000 بيتكوين لشراء بيتزا. اليوم حبة بيتكوين واحدة تكفي لشراء سيارة فاخرة. هذا يوضح قدرة البيتكوين على الاحتفاظ بالقيمة وزيادتها بشكل كبير على مدى فترة زمنية طويلة.

عندما نقارن أسعار المنازل بالدولار، نرى أن الأسعار قد ارتفعت بشكل كبير. هذا الارتفاع يعكس انخفاض القوة الشرائية للدولار بسبب طباعة المزيد من العملة دون دعم بقيمة حقيقية، مما أدى إلى تضخم أسعار الأصول مثل المنازل.

في المقابل، عند مقارنة أسعار المنازل بعملة مثل البيتكوين، نلاحظ أن الأسعار قد انخفضت. السبب في ذلك هو أن البيتكوين يعتبر مخزنًا للقيمة ويحافظ على قوته الشرائية أو حتى يزيد من قيمته بمرور الوقت. البيتكوين لا يتأثر بنفس القدر بالتضخم لأنه يمتلك عرضًا محدودًا ومحددًا مسبقًا. وبالتالي، بينما تزداد أسعار المنازل بالدولار بسبب انخفاض قيمة الدولار، فإنها تنخفض مقابل البيتكوين لأن البيتكوين يحافظ على قيمته بل ويزداد قوة بمرور الوقت.

تشير الدراسات إلى أن هناك ارتباطًا سلبيًا بين قيمة البيتكوين ومعدلات التضخم في العديد من الاقتصادات العالمية، سواء المتقدمة منها أو الناشئة. في الولايات المتحدة، عندما بلغ معدل التضخم ذروته بنسبة 9.1% في يونيو 2022، ارتفعت قيمة البيتكوين بأكثر من 60% خلال النصف الأول من عام 2023. هذا النمو الكبير في قيمة البيتكوين يعزز من فرضية أنها يمكن أن تكون أداة تحوط فعالة ضد التضخم، خصوصاً في أوقات الاضطرابات الاقتصادية.

وفي اقتصادات تعاني من تضخم مفرط، كان تأثير البيتكوين أكثر وضوحاً. في الأرجنتين، حيث وصل معدل التضخم السنوي إلى 114.2% في مايو 2023، سجلت منصات تداول البيتكوين زيادات كبيرة في حجم التداول، مما يشير إلى أن المستثمرين يرون في العملات المشفرة وسيلة للحفاظ على قيمة أموالهم في ظل تدهور العملة المحلية. هذا الاتجاه لم يكن محدوداً بالأرجنتين فقط؛ ففي فنزويلا، التي شهدت تضخماً فاحشاً تجاوز 130,000% في عام 2018، أصبحت العملات المشفرة ملاذاً آمناً للمواطنين الذين يبحثون عن حماية مدخراتهم من التضخم الجامح.

تركيا تقدم مثالًا آخر على دور البيتكوين كأداة تحوط ضد التضخم. في عام 2022، عندما بلغ معدل التضخم 85%، ارتفع حجم تداول البيتكوين بنسبة 1,500%. هذا الارتفاع الكبير في التداول يعكس مدى اعتماد المواطنين على البيتكوين كوسيلة للحفاظ على قيمة ثرواتهم في ظل تراجع قيمة العملة المحلية.

تنويع المحفظة الاستثمارية:

تنويع المحفظة الاستثمارية هو أحد الأساليب الرئيسية التي يستخدمها المستثمرون لتحسين العوائد وتقليل المخاطر المرتبطة بالاستثمارات. أظهرت الدراسات التحليلية أن إضافة نسبة صغيرة من العملات المشفرة (2-5%) إلى محفظة تقليدية تتألف من الأسهم والسندات والسلع يمكن أن يُحسن نسبة شارب بشكل ملحوظ، وهو مؤشر يستخدم لتقييم العوائد المعدلة حسب المخاطر.

خلال انهيار السوق في مارس 2020، عندما ارتفعت الارتباطات بين فئات الأصول التقليدية، أظهر البيتكوين خصائص تنويع قوية. بعد التراجع الأولي، تعافت البيتكوين بسرعة وأنهت العام بارتفاع قدره 305%، متفوقة على معظم فئات الأصول التقليدية. هذا الأداء الاستثنائي يعكس قدرة البيتكوين على تقديم فوائد تنويعية حتى في ظل ظروف السوق الصعبة.

استمر هذا الاتجاه في النصف الأول من عام 2023، حيث ارتفعت قيمة البيتكوين بنسبة 80% في ظل مخاوف التضخم واضطرابات القطاع المصرفي، بينما نما مؤشر S&P 500 بنسبة 16% فقط. هذه الأرقام تشير إلى أن البيتكوين يمكن أن يكون إضافة قيمة لأي محفظة استثمارية تسعى إلى تحقيق توازن بين العوائد والمخاطر.

وفي عام 2022، عندما شهد مؤشر S&P 500 انخفاضاً بنسبة 19.4% وانخفضت السندات بنسبة 13%، أظهرت المحافظ التي تضمنت 5% من البيتكوين أداءً أفضل بنسبة 10% مقارنة بالمحافظ التقليدية. هذا يبرز كيف يمكن للبيتكوين أن يُحسن أداء المحفظة الاستثمارية حتى في ظل تقلبات السوق الكبيرة.

تشير الأدلة المتاحة إلى أن العملات المشفرة، وعلى رأسها البيتكوين، تلعب دورًا متزايد الأهمية في استراتيجيات إدارة المخاطر المالية، خاصة خلال فترات عدم الاستقرار الاقتصادي. فعلى الرغم من التقلبات العالية التي تتسم بها أسواق العملات المشفرة وعدم اليقين التنظيمي المحيط بها، إلا أن فعاليتها لحفط القيمة، وأداة للتحوط ضد التضخم، وعنصر في تنويع المحافظ الاستثمارية أصبحت واضحة بشكل متزايد.

ومع استمرار تطور المشهد الاقتصادي العالمي، من المتوقع أن يزداد دور العملات المشفرة في الأسواق المالية. ومع ذلك، ينبغي على المستثمرين توخي الحذر وإجراء تحليل شامل للمخاطر قبل تخصيص رأس المال لهذه الفئة من الأصول. بينما تبدو البيانات المقدمة واعدة، إلا أن المستقبل يحمل دائماً درجة من عدم اليقين، مما يتطلب من المستثمرين البقاء على اطلاع دائم بالتطورات والتحولات في هذا السوق الناشئ

saif abusrour

#MarketDownturn #bitcoin #LowestCPI2021 #BinanceMenaSquare #binancemena