بعد فترة هبوط مطولة في عام 2023، شهد سوق العملات الرقمية انتعاشًا قويًا مع نهاية عام 2024، وذلك على الرغم من الأزمات المصرفية والتدابير التنظيمية الصارمة وعدم الاستقرار الاقتصادي العالمي. يكشف استطلاع “سيغنوم” عن موجة جديدة من التفاؤل بين المؤسسات المالية التقليدية، مدفوعة بتدفقات استثمارية كبيرة، وإطلاق صناديق تداول البيتكوين الفورية، وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية المادية اللامركزية (DePIN).
أظهر الاستطلاع الصادر يوم الخميس أن 57% من المؤسسات تعتزم زيادة استثماراتها في الأصول الرقمية، مدفوعة برغبة متزايدة في تحمل المخاطر وثقة أكبر في هذه الفئة من الأصول على المدى الطويل.
تعززت النظرة المتفائلة لسوق العملات الرقمية بوصول مؤشر الخوف والجشع إلى مستوى 84، مما يدل على سيطرة مشاعر الجشع الشديد. ويعكس هذا المؤشر، الذي تصدره شركة Alternative، ارتفاعًا في الطلب على الأصول الرقمية مثل بيتكوين وزيادة في المشاعر الإيجابية تجاه السوق. يشير الارتفاع الحاد للمؤشر بأربع نقاط خلال 24 ساعة إلى حماس استثماري متزايد وزيادة في حجم التداول. ومع ذلك، فإن هذا الحماس المفرط قد يكون مؤشرًا على تقلبات محتملة في السوق أو تصحيحات مقبلة.
المستثمرون التقليديون يحتضنون العملات الرقمية
أظهر استطلاع “سيغنوم”، الذي شمل مجموعة واسعة من المؤسسات الاستثمارية، أن 72% من المستجيبين لديهم استعداد للاستثمار في الأصول الرقمية. وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسات التقليدية مثل مديري الأصول والصناديق الاستثمارية أبدت اهتمامًا أكبر بالأصول الرقمية مقارنة بالبنوك وشركات التأمين التي أظهرت تحفظًا أكبر.
أكد مدير أبحاث الأصول الرقمية في “سيغنوم”، “لوكاس شويجر”، على هذا التوجه المتزايد قائلًا: “يكشف هذا الاستطلاع عن رغبة متزايدة لدى المستثمرين التقليديين في استكشاف فرص الاستثمار في الأصول الرقمية، مع اعتمادهم على استراتيجيات متنوعة وتوقعهم لمستقبل واعد لهذه الأصول في إعادة تشكيل النظام المالي التقليدي”.
تزايد الرغبة في المخاطرة واحتياجات التنويع
كشفت نتائج الاستطلاع عن ارتفاع ملحوظ في رغبة المستثمرين التقليديين في تحمل المخاطر، حيث يعتزم 79% منهم زيادة استثماراتهم في العملات الرقمية خلال العام المقبل. ويعزى هذا الاتجاه إلى الرغبة في تنويع المحافظ الاستثمارية والتحوط ضد تقلبات الاقتصاد العالمي.
يتزامن هذا الارتفاع في الرغبة مع زيادة مؤشر الخوف والجشع في سوق العملات الرقمية، مما يعكس حماسًا متزايدًا بين المستثمرين وزيادة في حجم التداول. ومع ذلك، فإن المستويات المرتفعة للجشع قد تشير إلى سلوك استثماري مضاربي، حيث قد يدفع الخوف من تفويت فرص الربح المستثمرين إلى اتخاذ قرارات استثمارية اندفاعية، مما قد يؤدي إلى تقلبات حادة في السوق.
تشير النتائج الرئيسية للاستطلاع إلى ما يلي:
يستثمر 91% من المستجيبين في العملات الرقمية الرائدة مثل بيتكوين وإيثيريوم.
يمتلك 40% من المستجيبين استثمارات في رموز التطبيقات اللامركزية (DApps)، بينما يستثمر 39% في رموز NFT.
تحظى بروتوكولات الطبقة الأولى وبنية تحتية الويب 3 باهتمام كبير، حيث أبدى 76% من المستجيبين اهتمامًا قويًا بهذه القطاعات.
تبرز الاستثمارات المباشرة في الممثلات الرقمية باعتبارها منتج الاستثمار في العملات الرقمية الأكثر تفضيلاً، مما يسلط الضوء على التفضيل القوي لملكية الأصول الرقمية المحمية والمشاركة في خيارات توليد العائد الشائعة مثل التجميد.
التفضيل للأصول الراسخة والعملات المستقرة
أظهر الاستطلاع أن غالبية المستثمرين (91%) يفضلون الاستثمار في العملات الرقمية الكبرى مثل البيتكوين والإيثيريوم، بالإضافة إلى مشاريع واعدة في الطبقة الأولى مثل “سولانا” و”بي إن بي تشين”. ويعود هذا التفضيل إلى استقرار هذه الأصول ودعم المؤسسات المالية لها. كما يحرص نصف المشاركين على الاحتفاظ بالعملات المستقرة كأداة للتحوط ضد التقلبات في سوق العملات الرقمية، ولتسهيل دخول وخروج الاستثمارات. ويتسق هذا السلوك الاستثماري مع ارتفاع مؤشر الخوف والجشع، حيث يسعى المستثمرون لتحقيق توازن بين تحقيق عوائد مرتفعة من خلال الأصول عالية المخاطر والحفاظ على سيولة واستقرار محفظتهم من خلال العملات المستقرة.
تأثير صناديق تداول البيتكوين الأميركية الفورية
شهدت موافقة الجهات التنظيمية الأميركية على إطلاق صناديق تداول البيتكوين الفورية دفعة قوية لقطاع العملات الرقمية، حيث أبدى 71% من المستثمرين اهتمامًا متزايدًا بالاستثمار في هذا المجال بفضل هذه الصناديق. وتؤكد الأصول تحت الإدارة لهذه الصناديق، والتي تجاوزت 82.3 مليار دولار، على حجم الاستثمارات المؤسسية المتدفقة إلى هذا السوق.
وقد ساهم هذا الزخم في تعزيز هيمنة بيتكوين على سوق العملات الرقمية، حيث تجاوزت قيمتها السوقية قيمة أرامكو السعودية لتحتل المرتبة السابعة عالميًا. وبلغت حصة بيتكوين من السوق ذروتها عند 61.38%، مع تسجيل سعر قياسي جديد تجاوز 93,000 دولار. ويعزى جزء كبير من هذا الارتفاع إلى التدفقات الهائلة إلى صناديق ETFs المرتبطة ببيتكوين، والتي استقبلت 4.7 مليارات دولار خلال الأسبوع الماضي وحده، ليصل إجمالي التدفقات منذ إطلاقها في يناير إلى 28.2 مليار دولار وفقًا لبيانات Farside.
تسلط هذه التطورات الضوء على الزيادة الملحوظة في اهتمام المؤسسات الاستثمارية بعملة البيتكوين، ويعزى ذلك بشكل كبير إلى إطلاق صناديق تداول البيتكوين الفورية وتزايد نجاحها. ويعكس هذا الارتفاع في الطلب ثقة المستثمرين المتزايدة في مستقبل البيتكوين وتوسع دورها في محافظ الاستثمار المؤسسية.
وتأتي صناديق الاستثمار المتداولة في المرتبة الثانية من حيث تفضيلات المستثمرين وفقًا لاستطلاع “سيغنوم” بنسبة 47%، ويعود ذلك إلى فهم المستثمرين التقليديين لهذه الصناديق وإطلاق العديد منها من قبل كبار اللاعبين في القطاع المالي التقليدي. ويتماشى هذا مع الرغبة المتزايدة في الحصول على تعرض آمن ومضبوط لسوق العملات الرقمية، مما يجذب اهتمام المؤسسات والأفراد ذوي الثروات الكبيرة.
الحذر على المدى القصير مقابل التفاؤل على المدى الطويل
رغم التحفظات السائدة حاليًا بسبب التوترات الجيوسياسية والظروف الاقتصادية غير المؤكدة، تتجه التوقعات نحو التفاؤل خلال العام المقبل. ويتوقع 56% من المستثمرين زيادة استثماراتهم في العملات المشفرة بحلول عام 2025، مدفوعين بتوقعات بتحسن الأوضاع الاقتصادية العالمية بفضل عوامل مثل تخفيف السياسة النقدية في الولايات المتحدة وحزم التحفيز الاقتصادي في الصين.
ويؤكد استطلاع “سيغنوم” على تحول جذري في نظرة المستثمرين التقليديين إلى سوق العملات الرقمية، حيث أصبحت هذه الأصول محل اهتمام استراتيجي متزايد. ومع تزايد الوضوح التنظيمي وظهور منتجات استثمارية متطورة مثل صناديق التداول الفورية، يتوقع أن يشهد السوق نموًا متسارعًا مدفوعًا بتدفقات استثمارية جديدة واستراتيجيات استثمار أكثر تنوعًا.
تقنية البلوكتشين تقود الطريق
كشف استطلاع “سيغنوم” عن تحول اهتمام المستثمرين نحو تكنولوجيا البلوكتشين بشكل أكبر مقارنة بالأصول الرقمية، حيث أبدى 83% من المشاركين اعتقادهم بأهمية دور البلوكتشين في مستقبل القطاع المالي، مقارنة بـ 76% أشاروا إلى أهمية الأصول الرقمية.
وبالمثل، يواصل المستثمرون التقليديون التركيز على الإمكانات التكنولوجية للبلوكتشين وكفاءتها التكلفة مقارنة بالأصول الرقمية بحد ذاتها. ويعكس هذا التوجه سعي المؤسسات المالية إلى تبني تقنية البلوكتشين في عملياتها، وإطلاق منصات التمثيل الرقمي ومنتجات استثمارية جديدة مبنية على هذه التقنية