تلعب أسعار الفائدة التي يحددها الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) دورًا حاسمًا في توجيه السياسة النقدية للولايات المتحدة وتحديد تكاليف الاقتراض. من خلال التحكم في أسعار الفائدة، يسعى الفيدرالي لتحقيق استقرار اقتصادي، سواء عن طريق تحفيز النمو الاقتصادي أو كبح التضخم. لكن كيف تؤثر هذه التغيرات في أسعار الفائدة على أسواق العملات المشفرة؟ هذا هو السؤال الذي نحاول الإجابة عليه في هذا المقال.

ما هي أسعار الفائدة في الفيدرالي الأمريكي؟

أسعار الفائدة الفيدرالية هي المعدلات التي تتقاضاها البنوك على القروض التي تمنحها لبعضها البعض لليلة واحدة. هذه المعدلات تعتبر أداة أساسية يستخدمها الفيدرالي للسيطرة على السيولة النقدية في السوق. عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة، يصبح الاقتراض أرخص، ما يحفز النشاط الاقتصادي ويزيد من السيولة في السوق. على العكس من ذلك، عندما يرفع الفيدرالي أسعار الفائدة، فإن تكلفة الاقتراض ترتفع، ما يؤدي إلى تقليل السيولة في السوق بهدف السيطرة على التضخم.

العلاقة بين أسعار الفائدة والعملات المشفرة

يمكن تحليل تأثير أسعار الفائدة على العملات المشفرة من خلال عاملين رئيسيين: **تغير سلوك المستثمرين** و**تأثير السيولة**.

1. تغير سلوك المستثمرين:

- عند انخفاض أسعار الفائدة، تنخفض العوائد على الأدوات المالية الآمنة مثل السندات وحسابات التوفير، ما يدفع المستثمرين للبحث عن أصول ذات عوائد أعلى، حتى وإن كانت أكثر مخاطرة مثل العملات المشفرة. هذا يؤدي إلى زيادة الطلب على العملات المشفرة وارتفاع أسعارها.

- في المقابل، عندما ترتفع أسعار الفائدة، تصبح الأدوات الآمنة مثل السندات أكثر جاذبية، لأنها تقدم عوائد مضمونة مقارنة بالعملات المشفرة التي تُعتبر أصولًا عالية المخاطر. نتيجة لذلك، قد يلجأ المستثمرون إلى بيع بعض من أصولهم المشفرة وتحويل استثماراتهم إلى أدوات أكثر استقرارًا.

2. تأثير السيولة:

- رفع أسعار الفائدة يؤدي إلى تقليل السيولة في السوق. السيولة هي العامل الذي يسمح للمستثمرين بتحويل أصولهم بسهولة إلى نقد، ما يزيد من قدرتهم على الاستثمار في أصول جديدة أو تعزيز استثماراتهم الحالية. عندما تقل السيولة، يتأثر السوق بشكل مباشر، وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض في الطلب على العملات المشفرة، وبالتالي انخفاض في أسعارها.

- من جهة أخرى، انخفاض أسعار الفائدة يزيد من السيولة المتاحة في السوق، ويعطي دفعة للاستثمارات في الأصول الخطرة مثل العملات المشفرة.

أمثلة من تاريخ سوق العملات المشفرة

- العام 2018:

في هذا العام، قرر الفيدرالي بقيادة رئيسه آنذاك، جانيت يلين، رفع أسعار الفائدة عدة مرات لمواجهة المخاوف من التضخم. هذه الفترة شهدت انخفاضًا كبيرًا في سعر البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى. بعد أن وصل البيتكوين إلى قمة تاريخية تقارب 20,000 دولار في ديسمبر 2017، تراجعت قيمته بشكل حاد إلى حوالي 3,200 دولار بحلول ديسمبر 2018، وهو انخفاض تجاوز 80%.

- العام 2021:

شهد عام 2021 قفزة كبيرة في أسعار العملات المشفرة، مدفوعة بأسعار الفائدة المنخفضة التي فرضها الفيدرالي في فترة جائحة كورونا لتحفيز الاقتصاد. ارتفع سعر البيتكوين إلى أعلى مستوياته التاريخية متجاوزًا 68,000 دولار في نوفمبر 2021. لكن مع بدء الفيدرالي في تعديل سياسته النقدية ورفع أسعار الفائدة مجددًا في نهاية 2021، تعرضت العملات المشفرة لتصحيح حاد في قيمتها خلال الأشهر التالية.

لماذا تؤثر ارتفاعات أسعار الفائدة على العملات المشفرة؟

1. تقليل شهية المخاطرة:

ارتفاع أسعار الفائدة يجعل الأدوات المالية الآمنة مثل السندات الحكومية ذات التصنيف الائتماني العالي أكثر جاذبية للمستثمرين. هذه السندات تقدم عوائد مضمونة مع مخاطر منخفضة جدًا، ما يقلل من رغبة المستثمرين في تحمل مخاطر عالية عن طريق الاستثمار في العملات المشفرة.

2. زيادة التكلفة الفرصية:

ارتفاع أسعار الفائدة يجعل من الاحتفاظ بالنقد أو الاستثمار في أصول ذات عوائد مضمونة أكثر جاذبية مقارنة بالاستثمارات الخطرة مثل العملات المشفرة. وبالتالي، يصبح من الصعب تبرير الاحتفاظ بأصول مشفرة عندما يكون بإمكان المستثمرين الحصول على عوائد مضمونة من خلال أدوات مالية أقل مخاطرة.

3. تأثير الرافعة المالية:

يعتمد سوق العملات المشفرة بشكل كبير على استخدام الرافعة المالية، حيث يقوم المستثمرون بالاقتراض لزيادة عوائدهم المحتملة. ومع ارتفاع أسعار الفائدة، يصبح الاقتراض أكثر تكلفة، ما يؤدي إلى تقليص استخدام الرافعة المالية وزيادة حالات البيع القسري لتلبية متطلبات الهامش، ما يزيد من تراجع الأسعار.

وجهة نظر أخرى: تأثير طويل الأمد

قد يجادل البعض بأن التأثير السلبي لارتفاع أسعار الفائدة على العملات المشفرة هو تأثير قصير الأمد. المستثمرون الذين يؤمنون بالقيمة المستقبلية للعملات المشفرة قد يكونون على استعداد لتحمل التقلبات قصيرة الأمد والانتظار لفترات طويلة لتحقيق مكاسب. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون لارتفاع أسعار الفائدة تأثير سلبي على الثقة في النظام المالي التقليدي، ما يزيد من جاذبية العملات المشفرة كبديل طويل الأجل.

الخاتمة

في النهاية، يبقى تأثير قرارات الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة على سوق العملات المشفرة معقدًا ومتعدد الجوانب. رغم التأثيرات السلبية قصيرة الأمد التي قد تصاحب ارتفاع أسعار الفائدة، يبقى مستقبل العملات المشفرة واعدًا بالنسبة للمستثمرين الذين يؤمنون بإمكاناتها على المدى الطويل

مارايك انت في هذا المقال 👀🔥