تشكل رقائق الحاسوب العنصر الجوهري للاقتصاد الرقمي، وتزايد قدراتها يدعم تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يَعد بتغيير معالم العديد من القطاعات.

واتضح الدور الحيوي للرقائق عندما أدت جائحة فيروس كورونا إلى اضطراب إنتاج الرقائق في آسيا، لتعم الفوضى سلاسل توريد التكنولوجيا.

لا عجب إذن أن تصبح هذه الأجهزة محور منافسة محتدمة بين القوى الاقتصادية العظمى في العالم، حيث فرضت الولايات المتحدة مجموعة من القيود التي تهدف إلى عرقلة طموحات الصين في قطاع أشباه الموصلات وضمان الهيمنة الأميركية على الريادة في ذلك المجال الحيوي، ويرجح أن يستمر التركيز على الرقائق في عهد إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الجديدة، التي تسعى إلى دعم القدرات والتصنيع في الولايات المتحدة، وفق "بلومبرغ".

لماذا تعد الرقائق بالغة الأهمية؟

تُمثّل الرقائق العنصر اللازم لمعالجة واستيعاب الكميات الهائلة من البيانات التي أصبحت تنافس النفط على مكانة شريان حياة الاقتصاد.

تصنع الرقائق -وهي الاسم المختصر الذي يطلق على أشباه الموصلات، أي الدوائر المتكاملة- عبر إضافة مواد إلى شرائح السيليكون، ولها استخدامات متنوعة، فهناك رقائق الذاكرة التي تخزن البيانات، وهي أبسط تركيباً مقارنة بالأنواع الأخرى وتتداول مثل السلع، وهناك الرقائق المنطقية التي تشغل البرامج وتعمل كعقل للجهاز، وهي أكثر تعقيداً وأعلى تكلفة.

وأصبح الحصول على رقائق مثل مسرع الذكاء الاصطناعي "إتش 100" (H 100) الذي تنتجه "إنفيديا" مسألة مرتبطة بالأمن القومي وثروات الشركات العملاقة مثل "جوجل" التابعة لـ"ألفابت"، و"مايكروسوفت"، وسط المنافسة بينها على إنشاء مراكز بيانات عملاقة والتقدم فيما يعتبر مستقبل الحوسبة.

وحتى الأجهزة التي نستخدمها في حياتنا اليومية تعتمد بشكل متزايد على الرقائق، فكل ضغطة زر في سيارة مليئة بالأدوات المتخصصة الصغيرة تحتاج إلى رقائق بسيطة لترجمة هذه الضغطة إلى إشارات إلكترونية، وكل الأجهزة التي تعمل بالكهرباء تحتاج للرقائق لتحويل تدفق الكهرباء وتنظيمه.

ما سبب التنافس على تصنيع الرقائق؟

تتطور معظم تكنولوجيا أشباه الموصلات الرائدة في الولايات المتحدة، ومع ذلك، تهيمن تايوان وكوريا الجنوبية على تصنيع الرقائق حالياً.

على الجانب الآخر، تُعد الصين أكبر سوق في العالم لهذه المكونات الإلكترونية، وتزداد رغبتها في زيادة التصنيع المحلي للرقائق التي تستخدمها، ما صب اهتمام واشنطن على القطاع في إطار سعيها لتقييد تقدم منافستها الآسيوية والتصدي لما تصفها بأنها مخاوف مرتبطة بالأمن القومي.

فرضت الولايات المتحدة قيوداً على التصدير وتعريفات جمركية على الاستيراد لاحتواء الطموح الصيني، كما تخصص جزءاً ضخماً من التمويل الحكومي لإعادة الإنتاج الفعلي للرقائق إلى أراضيها، بهدف تقليص ما تعتبره اعتماداً خطيراً على بضعة مصانع في شرق آسيا، ويحذو عدد من الدول الأخرى، من بينها ألمانيا وإسبانيا والهند واليابان، الحذو نفسه.

وتدرس إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن فرض مزيد من القيود على بيع معدات صنع أشباه الموصلات، فضلاً عن رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين، ما يُعد تصعيداً لتضييق واشنطن الخناق على طموحات بكين التكنولوجية، بحسب أشخاص مطلعين على الأمر، ويمكن الإعلان عن القيود في أوائل ديسمبر على أقرب تقدير.

من المتحكم في الإمدادات؟

أصبح صنع الرقائق مجالاً يتسم بخطورة متزايدة وحصرية أكبر، فإنشاء مصنع جديد يكلف أكثر من 20 مليار دولار، ويستغرق سنوات، ويتعين تشغيله طوال اليوم للتحول إلى الربحية. كما أن حجم الإنتاج اللازم قلص عدد الشركات التي لديها أحدث تكنولوجيا رائدة في المجال إلى 3 فقط، هم "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينج" (TSMC)، و"سامسونج إلكترونيكس" (Samsung) في كوريا الجنوبية، و"إنتل" (Intel) في الولايات المتحدة.

وتضطلع TSMC وسامسونج بما يطلق عليه دور "المسابك"، وتسند عملية التصنيع إلى شركات في جميع أنحاء العالم.

وتعتمد أكبر شركات التكنولوجيا في العالم على إمكانية الوصول إلى أفضل جهات التصنيع، التي يوجد معظمها في تايوان، ورغم تركيز "إنتل" في السابق على التصنيع لتلبية احتياجاتها، إلا أنها تسعى حالياً إلى منافسة TSMC وسامسونج في مجال عقود التصنيع.

في المستوى الأدنى، يوجد قطاع ضخم يُنتج ما يطلق عليها اسم "الرقائق التناظرية"، وتُعد "تكساس إنسترومنتس" (Texas Instruments) و"إس تي ميكرو إلكترونيكس" (STMicroelectronics) من بين أكبر الشركات المنتجة لهذا النوع من المكونات، التي بمقدورها أداء مهام مثل تعديل الكهرباء داخل الهواتف الذكية، والتحكم في درجات الحرارة، وتحويل الصوت إلى نبضات كهربائية، وهذا هو المجال الذي تستهدفه الصين وتضخ فيه استثمارات ضخمة بهدف زيادة الإنتاج والاستحواذ على حصة سوقية، في ظل منعها من ال