اختيار الخيارات السهلة هو خيار لحياة صعبة، واختيار الخيارات الصعبة هو خيار لحياة سهلة"
مارك مانسون في كتابه The subtle art
عندما ننظر إلى مفهوم النجاح نرى أن كل من تكلم عنه أوجز أنه مزيج من المعتقدات ، فنرى من عرف الطريق إلى النجاح التزام و نرى أن من فسر النجاح هو قرار فردي ، ونرى الكثير و الكثير ، وأكثر فترة تمت دراسة النجاح فيها كمفهوم وسبب هي مطلع عام 1995 في الولايات المتحدة وهنا كانت بداية ما يسمى تطوير الذات، واشتهر في تلك السنوات كتب تحت بند التنمية البشرية ( علماً أنها أكاديمياً لا تصنف ضمن علم التنمية البشرية) ، وفي مطلع عام 2007 بلغ عدد الكتب التي تكلمت عن مفهوم النجاح ، التحفيز الذاتي ، قوة العقل الباطن ، و التمييز ما لا يقل عن مليون كتاب حقق منها شهرة ما لا يقل عن 500 ألف كتاب.
جميع ما ميز هذه الكتب وجعلها تتصدر قائمة المبيعات أنها حاورت الرغبة لا العقل، فالكل يرغب بالنجاح ، التميز ، الشهرة و الثراء، وهذا تماما ً ما عملت عليه هذه الأنواع من الكتب، حيث إنها سوقت للرغبة التي يبحث عنها أي فرد على أنها سهلة المنال و الموضوع برمته يحتاج إلى رغبة عارمة وتفكير إيجابي فقط.
التسويق قد يلغي الحقيقة ويقودنا إلى أن نطرح الأسئلة
"التسويق للعاطفة، يجعل من المنتج مقدساً ويغيب عنه الحقائق الصحيحة"
فيليب كوتلر
ما جعلنا نتطرق بالذكر إلى هذه الأنواع من الكتب، هو السياسة التسويقية التي استخدمتها هذه الكتب (الحوار مع الرغبة)، والتي تتشابه تماماً مع ذات الطريقة التي تم التسويق للتداول فيها، على أنه سهل المنال ومتاح للجميع، وهذا يجعلنا نقع بذات الفخ ويجعلنا نعيد السؤال الذي طرح على علماء النفس سابقا ً بعد أن انتشرت كتب التطوير وهي هل النجاح صعب أم سهل ولماذا، وهذا تماماً يمكننا أن نسقطه على التداول على النحو التالي:
هل التداول صعب أم نحن لم نتعلم جيداً؟
" من أراد النجاح عليه أن يعيد التفكير حول كل شيء، فهذه عقلية العالم"
آدام جرانت
ابن خلدون في تعريفه لمفهوم الصعب والسهل يقول إن الصعوبة هي الحالة التي نحتاج فيها إلى المزيد من الوقت والخبرة لاجتياز مرحلة ما وهذا ما لا يمتلكه الجميع، مما يجعل اجتياز المرحلة حكراً على البعض ومما يفرض علينا أن نعيد التفكير حول مفهوم الصعب والسهل مرة أخرى بحال امتلكنا الوقت والخبرة إلا أننا لم نستطيع القيام بالمهمة.
علي سبيل المثال المبتدئ في القيادة يرى المناورة صعبة إن لم تكن مستحيلة علماً أن الفارق ما بينه وبين المحترف هو وقت وخبرة، ولكن ما الحل إذا مضى الوقت إلا أنه لم يستطيع الحصول على الخبرة!؟
هنا يقول ابن خلدون أنه علينا أن نعيد التفكير حول المفاهيم مرة أخرى ونرى ما الذي أعاق الحصول على الخبرة في ظل وجود الوقت ، فقد يكون الخوف ، أو عدم معرفة اسرار القيادة مثلاً.
بذات الطريقة نسقط الموضوع على التداول، هناك العديد ممن دخل المجال وبقي أكثر من سنة إلا أنه في نهاية المطاف اعتزل رغم أن هناك أشخاص استطاعت بشكل أو بآخر اتخاذ المجال مهنة، وهناك من تميز في هذا المجال فما السبب؟
أسباب تمنعك من الحصول على الخبرة
" لا تطلق الحكم فوراً اسمع ثم أعد التفكير"
آدم جرانت
انطلاقاً من مفهوم ابن خلدون بأنه بحال امتلكنا الوقت ولكن لم نحصل على الخبرة، أضع بين يديك خلاصة سنوات من البحث ترشح لك أكثر سببين تمنع عنك الخبرة في هذا المجال
أولاً: السطحية في البحث عن المعلومات
" امتلاك القليل من المعرفة أخطر بكثير من عدم المعرفة ، فهي تضعنا بوهم أننا نعلم عمق الشيء "
نيلز بور
إن سيولة المعلومات بشكل مفرط، وقربها وسهولة الحصول على بداية المعلومة، جعلت الانسان المعاصر سطحي إن لم يكن شديد السطحية في معلوماته.
سابقاً إذا أراد الأنسان الحصول على معلومة ( يتم الموضوع بشكل رأسي) يذهب إلى محاضر العلم مثل الجامعات أو إلى الخبير فيبدأ بالمعلومة فيتعمق بها بدءً من مبادئ العلم ، وصولاً إلى أعمق النقاط و أكثرها تعقيداً وهنا نقول أن العلم انتقل بالمشافهة أي بالكلام و المحاضرات و التجاوز الأكاديمي للمراحل ، أما اليوم فيتم الموضوع على نحو يصفه فئة من دكاترة الجامعة على أنه بحال لم يكن ممنهج فهو سخيف وغير مجدي ، حيث يتم الحصول على المعلومة بشكل أفقي وهو أن تحصل على عدد كبير من المعلومات لكن دون الخوض في عمق هذه المعلومات مما يجعل الحاصل على المعلومة يفتقد للمشافهة وآلية التفكير والمنطق العلمي الذي يقتضي بأن يعرف فيما إذا كانت هذه المعلومة صحيحة أم لا وهذا ما يجعلنا أمام فئة كبيرة تملك الكثير من المعلومات إلا أن هذه المعلومات سطحية و حاملها يفتقر لآلية التفكير الأكاديمية التي تجعله يرابط ما بين هذه المعلومات.
هذا يجعلنا نتعامل مع بيئة تتطلب منك أن تعرف بالاقتصاد وأساسياته، أن تعرف بالسياسية وتأثيرها، أن تعرف كيف تفسر الأسعار وفقاُ لقانون اقتصادي لا طريقة سطحيةً، فقد نحاول مراراً استقراء الأسواق بمجرد مؤشر ولا نعلم فيما إذا كان هذا المؤشر ينفع للسوق أم لا أو نحاول الاعتماد على لا حقيقة.
سابقاً احتاج ورن بافيت سنوات ليفهم مبادئ الاستثمار، وعاصر جيسي ليفرمور السوق عقود من البحث والدراسة والمراقبة وقضى ويلام ديلبرت جان عشرين عام يدرس الدورات الزمنية في الاقتصاد ليسقطها على أسواق المال حتى يستطيع بناء قاعدة ، وقضى توم وليامز سنوات يدرس فيها أعماق الاقتصاد وكان يحيط نفسه بنخبة من أعظم دكاترة الاقتصاد و الإحصاء ليلخص حال السوق فقط.
لكن اليوم مع سيولة المعلومات و سهولة الحصول عليها وتسويق يدفعك للاستعجال جعلك تظن أن الكم الكبير من المعلومات السطيحة كافي لتفسير السوق ، مع العلم أن السوق يحوي نخبة من أحد أعظم عباقرة هذا الكون ، ابحث عمن يقبل للتوظيف في شركات Wall street في منهاتن و الذي يحوي شركات البورصة و التداول ، إنهم دكاترة اقتصاد ، إحصاء ، علماء نفس مهندسون ماليون تخرجوا من جامعات يكاد يكون الوصول إليها ضرب من المستحيل ، أتعتقد أنه يمكن منافسة هؤلاء بمعلومة سطحية ، بمؤشر ؟
ثانياً: عدم وجود قيود في بيئة التداول
دوجلاس في كتابه التاجر المنضبط يوضح أن بيئة التداول أكثر جاذبية مما نتصور للعقل البشري وهذا لسببين:
1. لا رقيب في التداول، أي لا أحد يحاسبك متى تبدأ العمل ولا أحد يحاسبك متى تنتهي سوى أنت، عملياً لا شيء يبدأ حتى تقرر أنت متى تفتح الصفقة ولا شيء ينتهي حتى تقرر أنت متى تغلق الصفقة.
2. التسويق وفق مبدئ ( الحوار مع الرغبة) ، والذي يسوق عالم الاستثمار على أنه سهل و كل ما في الأمر بضعة مبادئ بسيطة.
اجتماع السببين السابقين سوق المجال على أنه عالم الأحلام الوردي ، وبكل أسف سبب إدمان حب لبعض المتداولين فهذه الأسباب هي دوافع يحبها أي فرد ويتمناها أي فرد في بيئة العمل الخاصة به ( لا رقيب ، و بيئة تحاور الأحلام و الأمنيات) ، فتبقي المتداول ضمن حلقة مفرغة من البحث عن مفهوم بسيط يفسر سوق معقد ثم يفشل الموضوع.
رأي المستشار المالي
في الختام عزيزي القارئ إن مفهوم الصعب هو مجرد أن المجال يتطلب منك وقت أكثر ، ومعرفة أكبر بالطريقة الصحيحة ، لذلك إذا أردنا أن نجيب على هذا السؤال يمكننا القول أن المجال سهل بحال درسته بشكل صحيح قائم على أسس علمية و من خلال كتب و مراجع ، وصعب بحال استهنت بالمجال لذلك تذكر دائماً ألا تستهين بالمجال حتى لا يستهين المجال بك وأعلم أن المانع من أن نحقق ربح عظيم هو أننا لا نريد أداء جهد عظيم ، ومقالي لا يدفعك أبداً لأن ترى المجال بطريقة سوداوية كل مافي الأمر أني أريد منك بقلب صادق أن تصدق السعي بالمجال.